صالح الجنيد كما عرفته

  همدان دماج

التقيت بالأستاذ صالح الجنيد أول مرة على متن الطائرة العائدة في رحلتها الليلية من لندن إلى صنعاء عام 2003م بعد أن عرفني به الأخ الصديق فضل المقحفي، وأذكر أنه غادر مقعده في درجة رجال الأعمال وجلس بجوارنا في الدرجة السياحية. وخلال الرحلة تعرفت عليه أكثر ووجدته رجلاً مثقفاً وواسع الإطلاع، تحفظ ذاكرته الكثير من القصص والنوادر والأشعار الشعبية. ولازلت أذكر أيضاً عند وصولنا إلى مطار صنعاء أنه ساعدني بإقناع رجال الأمن أن التلسكوب الذي كنت قد اشتريته لا يشكل أي تهديد أمني من أي نوع.

 

   
صالح الجنيد في مقيل أحمد مسعود (لندن، يناير 2005)

عرفته بعد ذلك أكثر في مقيلنا الأسبوعي عند الأستاذ أحمد مسعود في لندن وكم كنا نستمتع بمداخلاته ونقاشه البناء وبمعرفته الكبيرة بالتراث والفلكلور اليمني. وقد أدهشنا أيضاً بقدرته الفائقة على اكتساب اللغة الإنجليزية فقد كان مجتهداً متطلعاً بروح تواقة لدراسته العليا التي جاء إلى بريطانيا من أجلها. لقد شكل بذلك نموذجاً فريداً للرجل المعتد بنفسه المتجدد الذي لا يتأثر بفقدان منصب أو جاه كما يفعل الكثيرون بل يواصل رحلته بتطلع أكبر وأمل متجدد، وقد وجد في بريطانيا خياراً مهماً لإكمال دراسته العليا وبروح تلميذ في العشرين من عمره. فلم يكن يتردد بطرح الأسئلة التي يجهل أجابتها وهذه هي روح العلماء.

لقد كان المرحوم صالح الجنيد من أولئك الذين تلتقي بهم فلا يسعك تجاهل بشاشته وروحه المرحة حتى وهو يطرق موضوعاً مهماً أو مسئلة حساسة. وكم كنت أتمنى أن ألتقيه في اليمن بعد عودته وتجمعنا به مقايل أخرى فما عرفناه عنه كان قليلاً لكن هكذا كان قدرنا بأن نفتقده في غفلة من الزمن الذي يتسارع من حولنا دون أن ننتبه وعزائنا أن تقوم أسرته المعروفة بالعلم والثقافة أن تكتب لنا سيرة حياته وما حفل بها من أحداث. رحم الله الأستاذ صالح الجنيد، ولأهله ومحبيه الصبر والسلوان.