الخروج من النفق المظلم

د.  همدان دماج
26 فبراير 2015
صحيفة الشارع

التداعيات الأخيرة في المشهد السياسي الملغوم في اليمن تحتم علينا التأكيد على ما لم يعد يُسمع كثيراً، وهو أهمية الانتهاء من متطلبات المرحلة الانتقالية والشروع في تطبيق مخرجات الحوار الوطني. يبدو هذا الكلام غير مثير بما فيه الكفاية في جوقة الأحداث المتسارعة، لكنني أرى أنه يظل الأكثر منطقية ووضوح، وأنه من المهم أن يقال في ظل الانبثاق المتسارع للمشاريع اللاوطنية التي يجد بعضها الآن ما يبرره أكثر مما مضى.
لم يغادر الرئيس الانتقالي عبد ربه هادي إلى عدن كنوع من المناورة السياسية، كما يحب أن يصورها البعض، بل كان هروباً واضحاً ودرامياً من الحصار الذي فرضتها عليه إحدى المكونات السياسية المسلحة التي جعلته رهينة تحت الإقامة الجبرية في منزله حسب توصيف الأمم المتحدة للأمر. وبغض النظر عن أداء هادي في الفترة السابقة تجاه كل شيء، بما في ذلك تعاطيه مع التمدد المسلح لهذا المكون السياسي، إلا أن الوقائع تقول أن هادي قبل أن يغادر إلى عدن كان رئيساً مختطفاً، وأن أمنه وسلامته الشخصية كانتا في خطر مباشر.
وفي حقيقة الأمر، أن يتواجد رئيس الجمهورية في عدن، وأن يدير من هناك أعماله الرئاسية هو أمر طبيعي للغاية وبالتأكيد أفضل بكثير من بقاءه رهينة سياسية، ولا أجد ما يمنع حقاً من أن تُستكمل مهام المرحلة الانتقالية من عدن، حتى وإن انسحبت المليشيات الدينية المسلحة من قصور ومبان الشرعية في العاصمة صنعاء، وهو أمر قد يستبعده الكثيرون، لكنه، بالتأكيد، ليس مستحيلاً.
إن سلسلة الإخفاقات التي حدثت لـ"أنصار الله" منذ سقوط صنعاء في سبتمبر الماضي، وخاصة مجموعة الاجراءات القمعية التي قامت بها مليشياتهم المسلحة ولجانهم الثورية ضد المتظاهرين السلميين، واستخدام لغة العنف اليومي في علاقاتها مع الجميع، تستدعي أن يتم التراجع عن ما يعرف "بالإعلان الدستوري" وكل ما ترتب عليه من إجراءات، كخطوة رئيسية في طريق الحل. في الواقع، لن يشكل هذا هزيمة لهم بقدر ما هو ضرورة حتمية إذا كانوا ما يزالون يريدون أن يكونوا شركاء في صنع القرار السياسي، بعد أن عرفوا، وعرفنا جميعاً، أنه لن يكون باستطاعتهم، ولا غيرهم، أن ينفردوا بالسلطة اعتماداً على القوة "الثورية" المسلحة، أو على الدعم الدولي والإقليمي المتغير دائماً.
إن استمرار المغامرين من "أنصار الله" في إدارة الشأن السياسي للجماعة لن يؤدي إلا إلى كارثة حتمية، ليس للجماعة فحسب، بل لليمن كله، فالمغامرون الذين مثلاً لوحوا، بلا عقل، بمحاكمة رئيس الوزراء وأعضاء حكومته المستقيلة إذا لم يمارسوا عملهم لا يعرفون معنى ما يقولون. فالعالم كله يعرف أن الاستقالة من الوظيفة هو من أبجديات الحقوق المدنية، بل ومن أبجديات حقوق الانسان، وأن العبودية تعني فيما تعنيه أن يجبر الانسان على العمل بالقوة وتحت تهديد السلاح. إن الإرهاب السياسي الذي تقترفه الجماعة كل يوم قد جعلها بلا منازع المكون السياسي الأكثر خطراً على مستقبل اليمن واستقراره، ليس في عين الشعب اليمني وحسب، بل وفي أنظار العالم.
وإذا كنتُ قد بدأت حديثي بأمر يفتقد الإثارة، فأحب أن أختتمه أيضاً بالتذكير بأمر يفتقد الإثارة أيضاً؛ لكنه في غاية الأهمية: ليس لليمنيين اليوم أو في الغد، القريب منه أو البعيد، خيار حقيقي لكي يعيشوا حياة حرة وكريمة إلا في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وإن الخروج من النفق الملغوم الذي تعيش فيه البلاد يستدعي التمسك بكل ما من شأنه إنهاء المرحلة الانتقالية بسلام، والانتقال إلى مرحلة الانتخابات، والبدء بتطبيق مخرجات الحوار الوطني على الأسس الدستورية الجديدة.
أخشى أن أقول أن ما عدا ذلك يبقى تفاصيل مؤلمة لانهيار وطن.